الأربعاء، 26 مايو 2010

مسرحية جوف الحوت للمخرج عباس عبد الغني في المغرب



)























ذاكرة الجسد في مونودراما
(جوف الحوت)
د. احمد قتيبه يونس
باحث عراقي
alferdws_aq@yahoo.com
قدم الوفد العراقي مونودراما (جوف الحوت) في مهرجان مراكش الدولي الجامعي بدورته الرابعة للفترة 24-30/ نيسان/ 2010م، وكان النص من تأليف: ناهض الرمضاني، وإخراج: عباس عبد الغنــي، وقام بأداء الدور الدكتور محمد إسماعيل الطائي، وترأس الوفد الدكتور حامد الراشدي، فيما نفذ الإضاءة: فادي نوئيل، وقام بتنفيذ الديكور: زيد طارق .
تدور أحداث العرض حول مثقف يعاني من الاغتراب، لذا تجده يسعى جاهدا للابتعاد عن فوضى العالم، ولعل المخرج كان موفقاً في اختياره للشخصية التي أدت هذا الدور، وذلك لما تتمتع به من تناسق (العمر/ الثقافة/ إمكانيته التعبيرية بالجسد)، فضلاً عن صعوبة الأداء لهذا الجنس (المونودراما)، وهي مسرحية الممثل (الواحد)، ويبدو أن عنوان النص يحيل إلى عمق الاغتراب، ولعل الممثل حاول أن يصور عالماً لا يقف عند حدود التقـنع، وإنما يتعداه إلى عملية خلق بيئة تشكل صورة معرفية تعكس وجوده كمثقف في عمقه الاجتماعي، فهو يلجأ في بثه من خلال هذا الأداء إلى خلق عالم غير متجانس كان يحاوره في ذاكرة جسده، ويحاول أن يبحث في واقع الاغتراب عن (هويةً) تساعده على مواجهة العالم اللامسمى.



إن عرض الأشياء (السيف/ إيماءة بوجود بندقية/ الجمجمة/ الكتاب)، منحها نمط من(التسمية)، وهو يعني بالضرورة الهروب من الخارج إلى الداخل. (خارج تركيبة المجتمع) التي أحال إليها بـ (السيف/ إيماءة بوجود بندقية/ الجمجمة) وذلك من خلال قوله في بداية العرض (مَن أوكل لي مهمة إصلاح العالم)، و(داخل تركيبة المثقف) التي أحال إليها بـ (الكتاب)، ولعله كان يحاول من خلال مناجاته للأشياء بداية عالم جديد يتعامل معه، يدجنه بعد أن كان يهرب منه وذلك من خلال قوله في نهاية العرض (أنا عائد إليك يا بغداد) فهو يسعى للانضمام إلى الآخر؛ لأن أدراك الإنسان في تلك اللحظة كان يشكل لديه وعياً بطاقة سحرية. فليس من الغريب أن يتخذ الممثل من وعيه بالأشياء دريئة تـقيه من إخفاء المجهول، وتحول قدراته لتتجه إلى إشباع حاجاته كـ (ممثل متقمص لدور مثقف)، ولعل وعيه التمثيلي قدم له (أداة) حاول بوساطتها أن يشكل نسقاً فكرياً يعبر عن حاجاته الاجتماعية والطبيعية أيضاً. فلجأ إلى الوسائل التي تخلق له التناغم بين حاجاته المادية والروحية، ليُكَّوَّنَ من هذه (الثنائية) علاقةً متبادلةً تصل إلى حد الموازنة بينهما لكي يحدث التأثير في [.......]. ولكن العرض عمل على خلق عالم يشتغل في مجال الخيال والصورة، ليخرج من واقعية النقص التقاني إلى واقعية التجريب، وليجعل من جسد الممثل ذاكرة، تتجانس مع مواجهة (الفعل)، مشكلا كينونته تشكيلاً ينسجم مع ما يحدث في خواطره وتأملاته من رؤى وأفكار لتتحقق الذات عن طريق الخلق والإبداع والتشكيل، والشعور بفرصة (الصنع كممثل)؛ لأن الشعور الخلاق لا يتجسد في أعمال فنية مستقلة. وإنما يتشكل (الصنع) بأن يتحول إلى شكل ثقافي يحقق متعة جمالية وروحية تنفذ من مفهوم التأمل الخالص للعمل. فحاول العرض أن يعبر عن فلسفة (الاغتراب) بأن يعادلها موضوعياً باتحاد الأشياء التي تحيل بمجموعها إلى المكون الاجتماعي الذي يحوي (الثقافة/ الحرب) أو أنه حاول بشكل أدق أن ينقل ما يسمى بـ (ثقافة الحرب)، ليبني من خلال هذا العرض، المبدأ الذي يطرح مشكلة التساؤل عن (كيف بدأت الحياة وكيف تعمل). إن هذا التساؤل حاول أن يربط البنية (البصرية) للعرض بوصفه شكلاً تعبيرياً بنقل الإرساليات بين البث من جهة والاستقبال من جهة، ليأخذ بعين الاعتبار أن (الممثل/ الباث) يعمل على نقل (معنى ما) إلى (المُستقبل ما) الذي يحاول أن يتلقى هذا المعنى.
ففي عرض مونودراما (جوف الحوت) نجد أن البنية (البصرية) متحققة فيها، فهي كـ (نص عرض) تتمتع بأنظمة لسانية تعمل مع النظام الحركي الذي قام بأدائه (الممثل) كونها تُقدم لغرض (استفزازي) للمتلقي، علماً أن هذا العرض لا يقتصر على توظيف العلامات الجسدية فحسب بل يحاول أن يتاخم العلامة الحركية بالعلامة اللفظية، ليوظف إلى جوارها خليطا من العلامات والأنساق يمكن أن تكون مألوفة لدى (المُستقبل)؛ لأن ما ينتجه من علامات حركية وإيمائية تشكل بنيته البصرية من خلال إثارة المخيلة هذا المُستَقبِل، ذلك أن عملية التخيل بحد ذاتها لا تُقدم أجسادا تتحرك أمام النظارة، وإنما تعرض الفكرة التي يمكن أن يتوقعها المؤلف (أنها مناسبة) فيقوم على عرضها أو ترك فجوات في (النص/ العرض) يمكن أن يملئها المُستَقبِل. وهنا يمكن أن تتشكل الصورة من خلال عباءة اللغة التي ترددت على لسان شخصية (جوف الحوت) المغتربة، فهو يضعها مراعياً فيها تغيير شكل الصوت ونبرته على وفق الموقف الذي توضع فيه، كما تظهر هذه البنية من خلال متاخمة البنية اللغوية للتعبير الحركي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق