الأحد، 27 سبتمبر 2009

المختبرات المسرحية وتطوير حرفية الممثل


المختبرات المسرحية وتطور حرفية الممثل

دراسة تحليلية لبعض النماذج الغربية والعربية

في الفترة من 1960 – 1980

أعدها الباحث عبد الرحمن عرنوس لنيل شهادة الدكتوراه

تحت إشراف:

أ-د/ سناء شافع

أ-د/ أحمد زكي

أكاديمية الفنون، المعهد العالي للفنون المسرحية (الدراسات العليا)



تقع هذه الدراسة في بابين وينقسم الباب إلى ثلاثة فصول.

انطلق الباحث في تحديد إشكالية دراسته من ندرة الدراسات الأكاديمية التي تبحث في ظاهرة المختبرات المسرحية، ومختبرات تدريب الممثل بشكل خاص والتي أخذت تنتشر على الساحة العالمية منذ مدة. وحاول الباحث في هذه الدراسة أن يجيب عن السؤال المحوري: هل هناك علاقة بين المختبرات المسرحية وتطور حرفية الممثل وهل يمكن الاستفادة منها؟ واشار إلى أن هذه الدراسة تسعى إلى إلقاء الضوء على بعض التجارب المسرحية في مجال فن الممثل.

وتناول في الفصل الأول الفرق بين المختبر المسرحي الذي يبحث في تطوير فقرات اللغة المسرحية المسموعة والمرئية، ومختر تدريب الممثل الذي يعمل على تطوير أدوات الممثل الداخلية والخارجية من خلال محاولة التعرف على علاقة أدوات الممثل الداخلية، وهي عالم الذهن والوجدان، وأدوات الممثل الخارجية التي تتصل بالجسد ومفرداته التعبيرية المرئية والمسموعة. وقد حاول الباحث التعرف على علاقة التفسيرات الفلسفية في الغرب والشرق للوقوف على درجة وعي بعض منظري فن الممثل في المحاولات الأجنبية التمهيدية لفترة البحث والذين كانوا الأساس الذي بنيت عليه تدريبات مدربي فن الممثل في فترة البحث.

وتناول في الفصل الثاني بعض نماذج المختبرات وما شابهها مثل الاستوديوهات والجماعات والورش. واستعرض في هذا الفصل ايضا بعض الآراء الفلسفية لتفسير علاقة عالم الذهن بالوجدان والجسد باعتبارها إحدى المعايير التي تدخل في فحص عينات التدريب التي سيتناولها البحث بالتحليل في عينات التدريب عند بعض منظري فن الممثل في الفترة المعنية بالبحث مثل جروتوفسكي واجستو بوال وغيرهما. وإلى جانب التفسير الفلسفي اشار الباحث إلى أنه سبفحص مدى اعتماد أصحاب مناهج التدريب وتركيزهم على التدريب الجسدي أم الذهني أم الصوتي.

وفي الفصل الثالث من الباب الأول حاول الباحث رصد محاولات رواد فن الممثل على الساحة العربية قصد الكشف عن الملامح المختبرية وقام برصد تاريخي للنماذج العربية في هذا المجال تمهيدا لأخذ عينات من تلك المحاولات لتحليلها لاحقا للتعرف على منهج تدريب صاحب التجربة عربيا.

أما في الباب الثاني فخصص فصله الأول لفحص عينات من تدريب بعض المنظرين واختار الباحث ممثل جروتوفسكي وذكر أن تجربته مرت بمرحليتن: امتدت الأولى من 1959 إلى 1962 وتم التركيز فيها على الإحماء الذي يحتوي على المشي الإيقاعي والجري على اصابع القدم، وكذلك تمارين إرخاء العضلات، والقفز ، وتمارين اليدين والقدمين. أما في المرحلة الثانية فقد أبدع جروتوفسكي برنامجه لتدريب الممثل بالتركيز على الجسد والذهن والوجدان.

وتناول تجارب أخرى مثل تجربة إيليا كازان المنشق عن مدرسة ستانيسلافسكي وركز على الصوت والتحكم في أعضاء الجسد والحركة. وذكر أيضا تجربة لي سترسبرج التي ترتكز على الخيال الذي يقسمه إلى: أ- الدافع وهو القدرة على التخيل، وقد يكون التخيل نشاطا ذهنيا ونفسيا واعيا. ب- التركيز وينشأ من الدافع والإيمان الذي يعتمد على خلق المشاعر. وتعرص الباحث إلى نماذج من مسرح الواقعة التي تقوم تمريناتها على الفسفة البوذية التي ترى أن الحقيقة كامنة في القلب من خلال سلسلة الصدمات تعقبها سلسلة من الانفعالات.

وفحص في الفصل الثاني عينات من الملامح المختبرية المصرية والعربية. ولاحظ الباحث أن ملامح هذا الاختبار ظهرت في تجارب عزيز عيد الذي حاول تخليص الممثل من الأداء النمطي، واستعرض كذلك تجرية مسرح الجيب الذي اعتمد على ما كان يفرضه النص المسرحي، أي أن النص هو الذي يفرض الأداء وليس الممثل هو الذي يفرض أداءه على النص. إلى جانب تجربة مسرح الطليعة التي اعتمدت على منهج ستانسلافسكي. وأشار إلى تجارب عربية أخرى.

وقد لاحظ الباحث أن أصحاب هذه التجارب والمناهج ارتبطت عينات تدريباتهم بالتفسيرات الفلسفة لعالم الذهن والوجدان والجسد، وأن هناك علاقة بين الروح والنفس. ومما لا شك فيه أن تلك التفسيرات لعلاقة الروح والعقل والنفس والجسد هي الأساس في تدريب الممثل عند معظم منظري فن الممثل في الشرق والغرب. ذلك أن العلاقة العقلية الروحية النفسية وهي (عالم الذهم والوجدان) أي العالم (المرئي) من الممكن أن تؤثر في العالم (المرئي) أي المادي وهو (جسد الممثل).

وقد اهتم الفلاسفة العرب بعلاقة النفس بالجسد. فقد اشار ابن سينا إلى وجود علاقة بين العمليات النفسية والعمليات البدنية، فتتشابه آراؤه مع آراء الباحثين في الطب الجسمي (السيكوسوماتي). كما ربط ابن رشد حركة الجسد بالقلب فقرر أن القلب هو العضو الذي تنتشر منه الحرارة وذلك عندما يطرأ على الإنسان شيئ يفزعه انقبضت الحرارة الغريزية إلى القلب وارتعشت ساقاه بل ربما سقط ولم يقدر أن يتحرك. أما ابن خلدون ففسر علاقة الروح بالجسد قائلا: "إن الأجساد كانت أرواحا في بدئها فلما أصابها حر الكيان قلبها أرواحا لزجة غليظة فإذا أفرطت عليها النار صيرتها أرواحا".

ويطرح الباحث في الفصل الأخير بعض المقترحات ويرى أن بعض المنظرين الغربيين في مجال تدريب الممثل استفادوا من الشرق بدءا بستانيسلافسكي وجروتوفسكي الذين وظفا اليوجا في تدريباتهما، وكذلك دعوة أنتونين أرتوا الذي انبهر بالأشكال التعبيرية الأندونيسية. وأمام هذا الاهتمام بالفن الشرقي يتساءل الباحث لماذا ننقل مناهج تدريب الممثل من المسرح الغربي؟ أو بعبارة أخرى لماذا نترك المنابع ونلجأ إلى التوابع؟ لماذا لا نحاول البحث عن تدريبات لها خصوصيتها المحلية دون إهمال التعرف على إبداعات الغرب والاستفادة من خبراتهم؟. وقد ركز الباحث في هذا الفصل على ضرورة البحث عن نموذج تكون البيئة والمجتمع مصدرا للإلهام. والسعي إلى إيجاد تدريبات تتفق وتقاليد المجتمع المحلي تعمل على تعرية النفس ولا تعمل على تعرية الجسد كما هو الحال في تدريبات المسرح الحي وما شابهه. من هنا اقترح الباحث بعض تدريبات الاسترخاء التي تحتوي على الاسترخاء النفسي والجسدي لفتريغ الممثل من همومه الحياتية حتى لا يحملها للشخصية التي يتقمصها. ويمكن اللجوء كذلك إلى بعض المثيرات الموسيقية والضوئية من أجل مساعدة الممثل على التخلص من التعبير النمطي، والتغلب على معوقات النطق والأداء. واقترح ضرورة الاستفادة من الألعاب الشعبية التي تعتمد على التركيز وسرعة البديهة والخيال. ويمكن كذلك الاستفادة من تفسيرات الفلاسفة العرب والمسلمين إلى جانب التفسير الفلسفي الإنساني لعلاقة الذهن والنفس والبدن كأساس تقوم عليه تدريبات النموذج المقترح للمختبر.

وقد استخلص الباحث مجموعة من النتائج أهمها التأكيد على ضروة أن تكون مختبرات تدريب الممثل الملجأ الأساسي الذي يعتمد عليه الممثل لتطوير مهاراته وتحرير طاقاته الإبداعية. وأوصى الباحث أيضا بضرورة أن تتضمن مناهج الدراسة الأكاديمية منهج وأسلوب المختبر في البحث والاستقصاء لتفجير الطاقات عند الطالب المتدرب. ويمكن أن تكون هذه المختبرات بمثابة البوتقة التي تنصهر فيها المواد النظرية والعملية. وتعتبر المختبرات كمعسكرات لتدريب وإعداد الممثل إعدادا عاما (المحترف والمبتدئ). ويمكن استعانة نوادي المسرح بالثقافة الجماهيرية بفكرة المختبرات لتدريب النشئ وتذوق فن التعبير المرئي والمسموع.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق