


الجمجمة) إضافة إبداعية لمسرح المونودراما
عرض الممثل الواحد، هو الصيغة الأكثر تلازما وإيحاء لمسرح المونودراما، والتي تعتبر من الأنواع الأصعب في المسرح لما تحتاجه من نص خاص قادر على سبر أعماق الشخصية البطلة واستخراج الدفين منها مع المحافظة على المتعة المطلوبة من أي عرض مسرحي تغري لإخراجها إلى المنصة.
أما الأهم فهو ذلك الممثل القادر على تقمص التفاصيل والتداعيات الروحية للشخصية والانتقال من حالة إلى أخرى وهذا يتطلب الحرفية العالية ومخزوناً كبيراً من الذاكرة الحياتية، الحسية والثقافية بإدارة مخرج متمكن من خلق الحلول الإخراجية التي تساعد على التنقل بين الحالات الدرامية للشخصية بغياب الممثل الآخر المحرض لردات الفعل التي ستغني الحوار الذي أصبح في المونودراما مونولوجا داخليا لحالة خاصة.
عربيا توقفت المونودراما عند بعض الأدوات التي اعتبرها المشتغلون على هذا الفن المسرحي أساسية لبنية العرض ومنها «الحوار»، إلا أن «عباس عبد الغني» قدم اجتهادا مهماً في هذا الفن عندما طرح سؤالا عبر حالة مسرحية جديدة، كان مثار جدل للكثير من المتابعين والمهتمين في مهرجان المونودراما الثالث في اللاذقية مفاده: ماذا لو حذفنا الحوار؟
حافظ «عبد الغني» على وجود الممثل الواحد على الخشبة لكن الحوار كان تفاعلا بين جسده، الذي أدى حركات تعبيرية «بانتوميم» ضمن علاقة درامية وبين عناصر المسرح الأخرى التي كانت وحدة فنية التقت وخدمت التيار الداخلي للعرض، كالموسيقا والديكور الذي كان لوحة كبيرة مستطيلة ومتحركة، مقسومة طوليا إلى قسمين: وجهها الأول خريطة العراق والآخر جمجمة. أما الإضافة فكانت مشاهد سينمائية، مونودرامية عدا مشهد الموت اليومي المجاني للعراقيين، ساعدت بلغتها البصرية على استنباط دلالات كثيرة لصورة السفاح العراقي «المسؤول» بنظاراته السوداء وقبعته الغربية وسيكاره، والختام كان مرورا على مقبرة أظهرت أربع شواهد لأموات يمثلون بأسمائهم أطياف الشعب العراقي بكل طوائفه: «سالادار، حيدر، عمر، حنا» في إشارة إلى الفاتورة الجماعية التي يدفعها العراقيون. ومع أن كل هذه الرموز والأدوات الفنية كانت مباشرة إلا أن العرض كان تجربة خاصة ومؤثرة تشي بوجود إمكانية الإضافة والتجديد في المونودراما فكان لا بد من التوقف عندها بالحديث مع مخرج العمل، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة في الموصل، عباس عبد الغني:
كأسلوب مختلف، إلى أية درجة يتقارب ويتقاطع ما رأيناه مع المونودراما؟ فقد رآه البعض عرض «بانتوميم»، ولم يعترف به آخرون كمونودراما، لاختفاء الحوار منه؟
اعتمد العرض على الجسد، وانتهج نهج البانتوميم، وحكى من خلاله تاريخ حضارات العراق بموسيقا عباسية، ترمز إلى العصر العباسي، العصر الذهبي في بغداد.. كل ما شاهدتموه كان مونودراما حقيقية لأنها اعتمدت على وجود الشخصية الواحدة التي كانت تحكي بلغة الجسد والتعبير همها وأزمتها، وقد سمي هذا النوع من العروض «الكيريو دراما» وهو مزج بين «الكيروغراف» و«الدراما»..
بإلغاء الحوار تحولت الشخصية إلى عنصر تعبيري بصري مثلما كانت «شاشة العرض» عنصرا بصريا ثانيا وبالنتيجة أصبح لدينا شخصيتان، هل توافقني؟
حتّم علي قانون المونودراما استخدام شاشة العرض لكن الممثل هو الوحيد الذي كان يتحرك بينما السينما كانت تعرض الاحتلال العسكري للعراق والجيش الأميركي والموت، ونموذج آخر تم عرضه هو لشخصية تركت للمتلقي حرية تفسيره، كان من دون هوية، أما القبور فقد حملت أطياف الشعب العراقي، لتكون الجمجمة في النهاية نتيجة لما يجري بين كافة الطوائف التي تشكل العراق، وهنا تكمن رسالة العرض: أيها الشعب العراقي دعنا نتصالح! وقد خدمت اللوحة التي كانت جزءين هذه الفكرة..
هل تعتقد أن هناك إمكانية بخلق الإضافة في مسرح المونودراما؟
أعتقد أن ما قدمناه كان أعلى درجات التطوير لأن الكلام في هذا العمل الذي يحمل الهم العراقي الخاص بدا عاجزا، فالأخبار التلفزيونية امتلأت بالدم وإحصائيات عدد القتلى، واستخدم كل الكلام.
فاديا أبو زيد
2007-05-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق